تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الغرّ الميامين ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

       وبعد فهذا كتاب يجمع الآيات التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطابًا له ومدحًا له ونقلاً عن لسانه ، إلى غير ذلك من أنواع الذكر من قبل رب العزة جل جلاله. هذا الكتاب هو سرد للآيات هذه ، لم يأت أحد فيما أعلم على تصنيف مثله من قبل ولم يعنى موضوعه بتصنيف قبله. ويمكن أن يفيد منه علماء اللغة العربية وبلاغتها والباحثون في بلاغة القرآن وإعجازه والباحثون في السيرة النبوية وفي خصائص الرسول صلى الله عليه وآله وغيرهم ممن عشق حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يعرف فضله وما أنعم الله على هذه الأمة ببعثته عليه الصلاة والسلام.

      قد يعجب المرء حين يعلم المرء أن هذا الكتاب قد أتى على 2672 موضع ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله وهي موزعة على 1203 آية .ويعني ذلك أن ما يقرب من خمس آيات القرآن الكريم فيها ذكر بشكل أو بآخر للرسول عليه الصلاة والسلام.

      ويبلغ عدد الكلمات المختلفة التي ورد فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 1167 كلمة مختلفة (بضمنها الكلمات ذات التشكيل المختلف) .وقد وردت هذه الكلمات في آيات مختلفة ، وهناك آيات كثيرة ورد ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في كلمات عديدة في الآية نفسها وقد بلغ أقصى ذلك في قوله تعالى  "  فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ   بيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (الشورى/15) حيث وردت فيها 13 مرة ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

      وقد توزعت الآيات التي ذكر فيها عليه الصلاة والسلام على مائة وأربع سور وقد خلت ثماني سور من كتاب الله من ذكره عليه الصلاة والسلام تمامًا وهذه السور هي سور: نوح والمرسلات والشمس والعاديات والتكاثر والعصر وقريش واللهب . ولعل في خلو هذه السور من أي ذكر له عليه الصلاة والسلام فيها حكم تستجلب انتباه المعتنين بتفسير القرآن.

       لقد تم تصنيف الكلمات التي ورد فيها ذكره صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدة أصناف يمكن إجمالها فيما يأتي:

1-               الكلمات التي خوطب فيه عليه الصلاة والسلام بلفظ الخطاب. وتشمل الخطاب بلفظ ضمير المخاطب : أنت وما يضاف لها من سوابق ومنها ما يحوي كاف المخاطب وعلى رأس ذلك خطاب الله لرسوله بلفظ : ربك وما يضاف لها من سوابق ولواحق. والخطاب بكاف المخاطب متصل بكلمات إسمية تخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذكر نفسه ووجهه وعينيه وقلبه وصدره ولسانه وعنقه وجناحه ويمينه وأهله وقومه وأزواجه وبناته وباقي عشيرته . كما يضم ذكر قريته وبيته وصلاته وقبلته وصبره وذكره وعمله وحسابه ومنامه. كما دخل ضمير كاف الخطاب بظروف أو حروف مثل حول وعند وقبل . كما يشمل كاف الخطاب مع كلمات عديدة مثل خيانة وخلاف وشانئ وذنب كما ضمت كلمات تحوي أفعالاً ماضية مثل أرسلنا وآتينا وثبتنا وكفينا وجعلنا وأرى وجعلنا ورجع وأصاب وسأل وجاء واتبع وغي ذلك . كما ضمت كلمات تحوي أفعالاً مضارعة مثل : نتوفى وينسي ويعطي ويجد ويهدي ويسأل ويبعث وغيرها.

 

كما ورد الخطاب بصيغة مضمرة مثل قوله تعالى "  مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى" (الضحى/3) والتقدير وما قلاك .. وآيات أخرى مشابهة في خطابها.

ويلحق كاف الخطاب حروفًا مثل إن وأن وإلى وعن وعلى ومع واللام والباء .

كما ورد الخطاب بالكاف بصيغة الجمع خطابًا له صلى الله عليه وآله وسلم وليشمل من معه مثل لفظ أعمالكم وأيديكم وقلوبكم وأنفسكم والأفعال التي تخاطب الجمع مثل يأتيكم وأنشأكم. وحروف جر تضاف الى خطاب الجماعة مثل عليكم وإليكم وبكم.

وهناك الخطاب بلفظ يا أيها حيث خوطب عليه الصلاة والسلام بالرسول وبالنبي وبالمزمل وبالمدثر.

صيغة الخطاب تأتي بإلحاق تاء المخاطب التي تضاف للفعل الماضي مثل رأيت وأحبت وأمرت وسألت وأقمت وفعلت وكنت ولست وأمرت. وكذلك الخطاب بصيغة الفعل المضارع المبتدئ بالتاء مثل تبتغي وتبلغ وتترك وتحرص وتدري وترضى وترى وما شابه ذلك.

أما خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الأمر فأولها فعل الأمر "قل". وشملت عددًا كبيرا من الآيات.منها آيات ابتدأت بلفظ "قل" أو "وقل" كما شملت آيات احتوت على لفظ "قل" في مواضع غير أولها وشملت آيات تجيب الكفار على أسئلتهم أو اعتراضاتهم بلفظ "قل" .

كما تضمنت أفعال الأمر أفعالاً كثيرة مثل أقم وأمهل وأنذر واتق واحكم واصبر واستغفر وانظر وبشر وبلغ وجاهد وسبح و  استمسك  وقم واسأل وعظ وغير ذلك. كما تضمنت أفعالاً أتت على السنة الكفار أو المنافقين خطابًا له صلى الله عليه وآله وسلم مثل ائذن وراعنا.

كما تضمنت أفعال أمر موجهة بلفظ الجمع أي خطابًا له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه مثل فاقرأوا واعتزلوا واستقيموا وأقيموا وأحصوا وما شابهها.

2-   ما ورد عن لسانه صلى الله عليه وسلم بصيغة المتكلم وأولها بلفظ ضمير المتكلم : أنا . وما ورد بلفظ فعل معه تاء المتكلم مثل كنتُ وآمنتُ وأسلمتُ وتوكلتُ.

وقد وردت كلمات ( أسماء ) مضافة لياء المتكلم مثل أجري وديني وربي ونفسي وعملي وقومي ووجهي . كما وردت ياء المتكلم مضافة إلى أفعال مثل أرادني وأروني وأهلكني وجاءني وتنظروني كما وردت مضافة إلى حروف مثل إليّ وإني وعليّ وبي ومعي وغيرها

كما ورد لفظ المتكلم بضمير الجمع : نحن و نا منفردًا أو مضافا إلى أسماء مثل أعمالنا وأبناءنا وربنا أو إلى أفعال مثل آمنا أو تحسدوننا وتوكلنا وجئنا وهدانا أو مضافا إلى حروف مثل إلينا وبنا ولنا ومعنا.

كما وردت الأفعال المضارعة بصيغة المتكلم على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم مثل أبتغي وأتلو وأتبع وأخاف وأعبد وأعوذ وأكون . وقد جمعت الأفعال التي وردت بصيغة النفي مثل لا أقول ولا أعبد ولا أشهد . وقد وردت أفعال أخرى بصيغة المتكلمين مثل نبتهل ونؤمن ونعبد وغيرها.

3-               الصيغة الثالثة هي صيغة ضمير الغائب وأولها ضمير الغائب المنفصل : هو أو ( هما وهم ) اللتان تشملانه صلى الله عليه وآله كما وردت هاء الغائب مثل أزواجه واسمه وربه ومولاه ونفسه ومضافة للفعل مثل جاءه وعلّمه وأظهره واتبعوه ويعلمه وما إلى ذلك. وكذلك الحروف مثل إليه وعليه وكذلك الضمير المتصل بصيغة الجمع. وهناك أسماء الإشارة مثل هذا و أسماء الموصول التي تشير إليه عليه الصلاة والسلام مثل الذي .

       وقد ورد ضمير الغائب المستتر مثل أسرَّ وجاء وجاهد ورأى ويستحي وقال ونهاكم ونبأها وصدَّق ويمشي ويقول ويريد وما يشبه ذلك. وكذلك ضمير الغائب المستتر بصيغة الجمع.

4-               ذكره صلى الله عليه وآله وسلم بصيغ أخرى أولها لفظ الرسول أو رسول والصيغ المشابهة التي تلحق بها الضمائر مثل رسوله ورسولنا وكذلك مجتمعًا مع إخوانه من الرسل في مثل رسله ورسلنا والمرسلين.

       وكذلك ما ورد بصيغة نبي مثل النبي أو النبيين أو باسمه الصريح محمد وأحمد أو طه ويس وما ورد من وصفه صلى الله عليه وآله وسلم مثل عبده وعبد الله وعبدنا أو المدثر والمزمل والأمي وثاني اثنين وداعي الله وكريم ومبين وشاهد ومبشر وبشير ونذير ورؤوف ورحيم وسراج وغير ذلك. وقد ورد بصيغ أخرى متفرقة مثل فاعل وقائم وأول المسلمين وخاتم النبيين . هذا بالإضافة إلى وصفه مع المؤمنين في مثل آمنين ووصف غير مباشر له مثل ما زاغ البصر وما جاء على ألسنة الكفار من أوصاف غير لائقة له مثل مجنون وشاعر وكاهن وساحر ورجل ومعلَّم .. وغير ذلك. ويختم هذا النوع بما ورد حول الصلاة والسلام عليه.

       هذا التصنيف لابد وأن وردت فيه هفوات وقد يرى غيري رأيًا آخر فيه. لكن الهدف الرئيس من إيراد الآيات هو الإتيان على الآيات التي ذكر فيها صلى الله عليه وآله وسلم قدر الإمكان.

       ولعل من حقه علينا أن نذكره بما ذكره الله في كتابه فهو أجلّ من ذكره وهل هناك ذكر له صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من ذكر الله له.

       إن ذكر الله له عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم دليل على مكانته عند الله لعل القارئ يدرك شيئًا من تلك المكانة العالية والمقام الرفيع فيزداد له حبًا وإكرامًا ويقتدي بسنته ويحب ما أحب ويكره ما يكره .

       اللهم آت محمدًا الوسيلة والدرجة الرفيعة العالية وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه واجعلنا من رفقائه في الجنة والحمد لله رب العالمين.

                                                  محمد زكي محمد خضر
                                            عمان في 23 رمضان 1422هـ
                                                 الموافق 8/12/2001 م