المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا بعده أبدا " - رواه إبن أبي شيبة - . واليوم فإن المسلمين أحوج ما يكونوا إلى أن يتمسكوا بهذا الحبل المتين كي يكونوا على صلة بالله فيقيهم من الضلال والهلاك. هذا القرآن لا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. ولذلك على العلماء أن يعينوا المسلمين على هذا التمسك ومن واجبهم أن يظهروا للناس معانيه ويكشفوا أسراره ويبينوا أوجهًا ومعانٍ جديدة وفق الزمان والحوادث.

    ولقد أنزل الله كتابه الكريم على رسوله الأمين بلسان عربيٍ مبين، ووضع كل آيةٍ وكل عبارةٍ وكل لفظةٍ بل وكل حرفٍ وكل حركةٍ في موضعها التام بحيث لو استبدلت كلمة محل كلمة أو حركة محل حركة لنقص ذلك التمام الذي تجده في القرآن معجزًا عرفه من عرفه وجهله من جهله. واللغة العربية اختارها الله جل وعلا لتكون وعاءً لكتابه الكريم وهي تستحق ذلك بجمالها وسعة معانيها وبلاغتها ودقة ألفاظها. وقد عجز بلغاء العرب وفصحاؤهم أن يأتوا بسورة بل وبآية من مثله. وعلى علماء العربية اليوم أن يبحثوا في كشف معاني القرآن وتبيان بلاغته.

   أما العلماء والباحثون في معاني القرآن وتفسيره والداعون إلى التمسك به والعمل به فهم كذلك عليهم واجب التدبر والغوص في معانيه وكشف أسراره. إن هؤلاء وأولئك بحاجةٍ إلى فهارس ومعاجم تعينهم على الوصول إلى غاياتهم بأسرع الطرائق وأيسرها. وهذا المعجم واحد منها فهو يفيد من يبحث في تفسير القرآن وفي إعجاز القرآن وهو مفيد لحفظة كتاب الله في تثبيت حفظهم بمعرفة مواقع  التراكيب المكررة أو المتشابهة لفظًا في القرآن كله. وسيجد اللغويون فيه إن شاء الله ما يساعدهم في الشواهد اللغوية من جهة النحو والصرف والبلاغة وغيرهم من الباحثين .

  

     ولقد سبق هذا الجهد جهود عديدة في مجال فهرسة ألفاظ القرآن الكريم حسب جذور الكلمات أو حسب التبويب الموضوعي. أما هذا المعجم فله منحىً آخر، فهو خاص بالتراكيب المتشابهة في القرآن . ولقد قام بعض العلماء السابقين بإيراد بعض العبارات القرآنية و تكرارها في القرآن كالسيوطي وابن الجوزي والكرماني وغيرهم ، والتي أسماها بعضهم بالمتشابهات . ولكن لم يقم أحد فيما نعلم بعمل معجم كامل لكل العبارات المتشابهة أو المكررة  في القرآن الكريم. وحيث أن لفظة المتشابه قد تفهم أن المقصود بها هو الآيات المتشابهات المذكورة في قوله تعالى "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ أَيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ" لذلك أشير في العنوان أن المقصود هو التشابه اللفظي . كما أن لفظ التكرار قد يشير إلى أن في القرآن تكرارًا زائدا لا حاجة له وهو محال فكل لفظة تكررت في أكثر من موضع في القرآن لها معنىً إضافيًا في كل موضع وردت فيه.

     لقد تم القيام بالجزء الأكبر من هذا العمل باستخدام الحاسوب . فالجهد اللازم لعمل هذا المعجم يدوياً يستغرق زمناً طويلاً ربما يبلغ عشرات السنين ، ناهيك عما قد يقع فيه من أخطاء وسهو . ولا أزعم أن هذا الجهد يبلغ الكمال ، فالكمال لله وحده ، فلا بد وأن يكون في منهج عمل هذا المعجم  مجال للتحسين والإضافات. كما أن الجزء من العمل الذي أجري يدويًا لا يخلو من أخطاء أو سوء تقدير فالكمال لله وحده.

     لقد اعتمد في إيجاد العبارات المترابطة مع بعضها الرجوع إلى جذور كل كلمة من كلمات العبارة أو التركيب اللفظي. وأوردت العبارات التي جذور كلماتها متفقة مع بعضها البعض بشكل متعاقب. فمثلا "أرحم الراحمين" جذرا كلمتيها هما "رحم- رحم" وهي بذلك تلتقي مع عبارة "الرحمن الرحيم" التي جذرا كلمتيها كذلك "رحم- رحم " ولهذا أوردت مواضع ورود "أرحم الراحمين" مع عبارة "الرحمن الرحيم" متعاقبة.

     وقد تم تبويب العبارات بشكل تسلسلي حسب التسلسل الهجائي لجذور الكلمات المكونة للعبارات . فإن كانت الآية أصلاً مكررة في موضع آخر من القرآن الكريم ذكر ذلك وإن كانت العبارة واردة جزءًا من آية فتورد العبارة الأقصر فالأطول إن كان هناك اختلاف في عدد مرات الورود حيث أن العبارة الأقصر الواقعة ضمن عبارة أطول لا تذكر إلاّ إذا كان عدد مرات تكرارها يزيد عن مرات تكرار العبارة الأطول .

     ترد بعض العبارات في القرآن بتشكيل مختلف ، فعبارة ( الرحمن الرحيم ) وردت ست مرات اثنتان منها بالضم  ووردت أربع مرات بالكسر . وقد تم إيراد هاتين العبارتين مع بعضهما وذلك لأن الباحث غالبًا ما يبحث عن العبارة المكررة مهما كان التشكيل في آخرها .

     وقد روعي في تسلسل العبارات المختلفة التشكيل تسلسل الفتح فالضم فالكسر كما يلاحظ في عبارات ( رب العالمين ) حيث وردت ثلاث مرات بالفتح وست مرات بالضم وخمس وعشرين مرة بالكسر . وهكذا لكل لفظة مكررة أشير عند أول ورودها إلى كل أشكال ورودها بكل التشكيلات الواردة حتى وإن كان عدد مرات ورودها بأحد التشكيلات مرة واحدة . ويصح هذا كذلك إذا كانت العبارة واردة مرة واحدة ولكنها تشترك مع غيرها في الجذور المكونة لكلماتها نفسها.

     ويضم المعجم بعض العبارات المختلفة ذات الكلمات المتقاربة ( خاصة حروف الجر والنفي)  مع بعضها ، ككلمات إن وأن أو كلمات لا ولم ولن . وقد أوردت  العبارات المحتوية على مثل هذه الكلمات المتقاربة مجتمعة في موضع واحد ليسهل دراستها مع بعض أو منفردة وفق ما يراه الباحث .

    لقد تم تحديد جذور الكلمات بالرجوع الى بعض المصادر اللغوية مثل لسان العرب أو منهج المرحوم محمد فؤاد عبد الباقي في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وغيرهما ولكن ربما وقعت بعض الأخطاء في نسبة كلمة الى جذر معين أوغيره. وهو أمر وقع فيه بعض الخلاف  بين اللغويين. كما أن بعض العبارات التي تبتدئ بحروف أو ضمائر وضعت تحت عناوين هي ليست جذورًا حقيقية مثل الهمزة للإستفهام أو (ءن  ) أو ( لم ) أو حروف الجر مثل الباء أو عن وعلى وغيرها...

     لقد تضمن المعجم التكرارأو التشابه بين آيتين إن كانت جذور الكلمات التي في الآيتين تتفق مع جذور عبارة في آية واحدة أو حتى مع جذور عبارة بين آيتين أخريتين . وقد استعملت (*) لتشير الى العلامة بين آيتين. ورغم أن العلاقة بين بعض عبارات الآيات مع بداية الآيات التي تليها لا تبدو ظاهرة للناظر لأول مرة ، إلا أن إثبات ذلك قد يفيد بعض الباحثين.

     وقد تم إثبات عدد مرات تكرار عبارة معينة بين قوسين ، فمثلا  (3) تعني تكرارًا ثلاث مرات لعبارة بالنص نفسه ولكن يجوز أن يكون لها مشابه بتشكيل مختلف أو بكلمات تنتمي الى الجذر نفسه وتأتي كلها متعاقبة مع بعضها البعض ، وعلى هذا فإن الغالبية العظمى من التراكيب جاء تكرارها مرة واحدة ولكنها تتفق مع ما قبلها أو ما بعدها بكون جذور كلماتها متطابقة.

     وأخيرًا أدعو الله العلي القدير أن ينفع بهذا المعجم  وييسر لمن يستعمله تعظيم القرآن الكريم وفي تبيان إعجازه وفي الكشف عن معانيه وفي نشر علومه وفي زيادة محبة المسلمين لكتاب الله . فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لا يسأل عبد نفسه إلا القرآن ، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله ، ومن أحب الله ورسوله حشره الله يوم القيامة مع رسوله " والله الهادي إلى سواء الصراط وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمي محمد وعلى آله وصحبه .                                             

                                                  محمد زكي محمد خضر 
                                                عمان في رمضان 1422هـ
                                              الموافق  تشرين الثاني 2001م

 

 الصفحة الرئيسية