الباب الرابع الإستقامة في اجتناب المعاصي

 

اجتناب الآثام ، اجتناب عقوق الوالدين وقول الزور ، اجتناب السبع الموبقات ، اجتناب الزنا وشرب الخمر والسرقة ، اجتناب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اجتناب الظلم ، العدل بين الرعية ، التمايز بين الرجال والنساء ، اجتناب لعب القمار ، الورع عند كسب الرزق ، اجتناب الكذب والخيانة ، اجتناب اللعن والفحش ، اجتناب الاحتكار ، اجتناب الترف ، حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته ، التزام الحجاب للمرأة ، عدم المجاهرة بالمعاصي ، عدم استصغار المحقرات من الذنوب


ـ 46 ـ
اجتناب الآثام
ـ 47 ـ
اجتناب عقوق الوالدين وقول الزور
ـ 48 ـ
اجتناب السبع الموبقات
ـ 49 ـ
اجتناب الزنا وشرب الخمر والسرقة
ـ 50 ـ
اجتناب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ـ 51 ـ
اجتناب الظلم
ـ 52 ـ
العدل بين الرعية
ـ 53 ـ
التمايز بين الرجال والنساء
ـ 54 ـ
اجتناب لعب القمار
ـ 55 ـ
الورع عند كسب الرزق
ـ 56 ـ
اجتناب الكذب والخيانة
ـ 57 ـ
اجتناب اللعن والفحش
ـ 58 ـ
اجتناب الاحتكار
ـ 59 ـ
اجتناب الترف
ـ 60 ـ
حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته
ـ 61 ـ ا
لتزام الحجاب للمرأة
ـ 62 ـ
عدم المجاهرة بالمعصية
ـ 63 ـ
عدم استصغار المحقرات من الذنوب واجتنابها

ـ 46 ـ إجتناب الآثام

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البر والإثم فقال: ” البِّرُ حُسنُ الخُلُق ، والإثمُ ما حاكَ في صَدرِكَ وكَرِهتَ أن يَطَّلِعَ عَليهِ النّاسُ ” .

(رواه مسلم)

إن تعريف الإثم الوارد في هذا الحديث تعريف ينبع من داخل النفس ، لا بحسب فتاوى المفتين أو أهواء أهل ألأهواء. إن من الناس من يقصد هذا العالم أو ذاك المفتي يسأله ويحس بأن ما يطلب الفتوى فيه للشرع جواب معين لا يحبه هو ، فيريد من غيره أن يشجعه على الإثم . فتراه يحاول انتزاع الفتوى من فم غيره تارة بالجدال وتارة بصياغة السؤال بطريقة بحيث يحصل على الجواب الذي يريده. وهذا لا يغني من الحق شيئا ولا يحل حراما ، فالإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس وهو تعريف يستطيع كل شخص أن يميز بواسطته بين الحق والباطل بشرط الصدق مع النفس. كما يدأب بعض الناس على التحايل على الشريعة بفتاوى توافق أهواءهم كما فعل بنو إسرائيل حين منعوا من الصيد في السبت ، فحبسوا السمك وصادوه يوم الأحد وحينما حرمت عليهم أصناف من الأنعام استحلوا شحومها . فمثل هذا التحايل لا يحل حراما ولا يقلل إثما لأن الله تعالى يعلم ما تخفي الصدور.

وبداية المعصية تكون خاطرة عابرة . يقول إبن القيم الجوزية(1) في كتاب الفوائد: دافِعِ الخطرة ، فإن لم تفعل صارت شهوة ، فحاربها ، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمّة ، فإن لم تُدافعها صارت فعلا ، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الإنتقال عنها.

إن المعاصي التي نهى عنها الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم واضحة للمؤمن ، فهو يفر منها ولا يقترب منها . لكن الشيطان لا يدع إبن آدم دون أن يحاول تزيين السيئات له. أما عباد الله المخلصين فهم يقظون على الدوام ، فإذا ما وسوس لهم الشيطان سوءا تذكروا فإذا هم مبصرون ، ” إنّ الّذين اتَّقوا إذا مَسَّهُم طائف مِنَ الشيطانِ تَذَكّروا فإذا هُم مُبصِرونَ ” (2 ، وهذه الوسوسة هي بداية الإثم وهي من الصغائر التي يغفرها الله إن لم يتبعها فعل . فالمؤمن حذر مراقب لنفسه سواء في أقواله أو في أفعاله أو في خواطره. فإذا ما خطر له خاطر سوء ، ذكر الله تعالى وعدل عن فعل المعصية فتكتب له حسنة ، كما مر في الحديث (1)

يجب على المسلم أن يهتم بالإبتعاد عن النواهي التي نهى الله عنها أو نهى عنها رسوله صلىالله عليه وآله وسلم حتى أكثر من إهتمامه بإتباع الأوامر. فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ” فإذا أمَرتُكُم بشيء فأتوا منهُ ما إستَطَعتُم وإذا نَهيتُكُم عن شيء فدَعوهُ ” (3)

ـ 47 ـ إجتناب عقوق الوالدين وقول الزور

عن أبي بكرة(4) رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ألا أُنبِّئُكُم بأكبَرِ الكَبائر - ثلاثا؟ ” قلنا بلى يارسول الله ، قال: ” الإشراكُ باللهِ وعُقوقُ الوالِدين ” ، وكان متكئا فجلس ، فقال: ” ألا وقولُ الزورِ وشَهادَةُ الزور ” فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
(متفق عليه)
الكبائر هى الذنوب العظيمة التي يلحق بالمرء إثم كبير إذا إرتكبها وقد يترتب عليه عقوبة شرعية أو كفارة . وأعظم الذنوب على الإطلاق هو الشرك بالله شركا واضحا كادعاء الولد. قال تعالى: ” إنّ اللّهَ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ بِهِ ويَغفِرُ ما دون ذلك لِمَن يَشاء ” (5). ومن أشرك بالله فقد كفر. ويتبع ذلك من إرتدّ عن الإسلام بإعلانه ذلك ، أو بإنكاره معلوما من الدين كالنبوة أو الملائكة أو التكذيب بآيات القرآن وما شابه ذلك . أما الكبائر الأخرى فقد تم تحديدها في هذا الحديث وفي بعض الأحاديث الأخرى . لكن من بين تلك الكبائر ما هو من أكبرها فليست
الكبائر كلها متساوية.

ومن أكبر الكبائر عقوق الوالدين ، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: ” وقَضى رَبُّكَ ألاّ تَعبُدوا إلاّ إيّاهُ وبالوالِدينِ إحسانا ، إمّا يَبلُغَنّ عِندَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أو كِلاهُما ، فَلا تَقُل لَهُما أُف ولا تَنهَرهُما وقُل لَهُما قولا كَريما . واخفِض لَهُما جَناح الذُّلّ من الرحمَةِ وقُل رَبّ ارحمهُما كما رَبّياني صَغيرا ” (6) ، وفي الوقت الذي دعى الله سبحانه وتعالى إلى عدم تولي الكفار فإنه أوصى بمصاحبة الوالدين في الدنيا بالمعروف وبرهما حتى وإن كانا كافرين واستثنى إطاعتهما إن هما أمرا بالشرك بالله: ” وإن جاهداكَ على أن تُشرِك بي ما ليسَ لَكَ بِهِ عِلم فلا تُطِعهُما وصاحِبهُما في الدنيا مَعروفا ” (7)

أما الكبيرة الأخرى التي ذُكرت في هذا الحديث فهي شهادة الزور وقول الزور ، لما يترتب عليها من كثير آثام مفاسد ، كأخذ الأموال بغير حق والظلم والتباغض والشقاق والخصام وربما الإقتتال . وعلى المؤمن أن يحذر من شهادة الزور وقول الزور أشد الحذر ، فإن ذلك لا ينحصر في الشهادة بين المتخاصمين أمام القضاء فقط ، بل يدخل في كثير من المعاملات التي يتعامل بها الناس وتتضمن أكلا لأموالهم بغير حق أو ظلما للناس. فمن أعان الظالم على ظلمه بكلمة يعلم أنها كذب ، فهي شهادة زور. وإن مدح معتديا فشجعه على عدوانه فهو قول زور... ومشاركة في إرتكاب العدوان وهكذا وقد عُدِّدَت أكبر الكبائر في الحديث الآتي (48) ، وفيه سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسبع الموبقات.

ـ 48 ـ إجتناب السبع الموبقات

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” إجتَنِبوا السَبعَ الموبِقاتِ: الشِركُ باللّه ، والسِحرُ ، وقَتلُ النَفسِ الّتي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وأكلُ الرّبا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتوَلّي يومَ الزَحفِ ، وَقذفُ المُحصَناتِ المُؤمِناتِ الغافِلات ”

(رواه أبو داود والنسائي والبيهقي)

هنا تعداد لسبع من الموبقات . وتحديد العدد هنا هو ليس حصرها بالسبع تحديدا بل هذه السبعة هي من أكبر الكبائر ، وقد مر بنا أن عقوق الوالدين أيضا من أكبرها رغم أنه غير مذكور في هذا الحديث. وقد سُئل ابن عباس رضي الله عنه عن عددها أهي سبعة؟ فقال هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. وبالطبع فإن كثيرا من الكبائر هذه هي إهمال الفرائض. فالصلاة فريضة وتركها كبيرة ، وكذلك الزكاة فريضة وتركها كبيرة ، والصيام فريضة وتركه كبيرة وحجاب المرأة فريضة وتركه كبيرة... وهكذا.

من الكبائر التي ذكرت هنا قتل النفس بغير حق ، فللنفس حرمة كبيرة ، قال الله تعالى: ” وَمَن يَقتُل مؤمِنا مُتَعَمّدا فَجَزاؤهُ جَهَنّمُ خالِدا فيها وغَضِبَ اللّهُ عليهِ ولعَنَهُ وأعَدّ لهُ عَذابا عَظيما ” (8). واشتراك أكثر من شخص واحد بذلك لا يقلل الذنب عن أي منهم فكلهم قاتل . وقد حذّر صلى الله عليه وآله وسلم من الإعانة على القتل والخصام ، فقال: ” مَن أعانَ على خصومَة لَم يَزَل في سَخَطِ اللّهِ حَتى يَنزِع ” (9). والقتل من الظلم في النفوس. أما الظلم في الأموال فالربا أحدها ، وقد شدد الله على تعاطي الربا في عدة آيات منها قوله تعالى: ” فَإِن لم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَرب من الله ورَسولِه ” (10) ، وقد شدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وعيد آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده(11) ولم يتهاون في اليسير من الربا فكل قرض جرّ نفعا فهو ربا ، وكل الربا محرم حيث قال: ” الرّبا سَبعونَ بابا أهونُها كوَقعِ الرجُل على أمهِ ” (12)

وأكل مال اليتيم هو من أبشع أنواع الظلم ، قال الله تعالى: ” إنّ الّذينَ يأكُلونَ أموال اليتامى ظُلما إنّما يأكُلونَ في بُطونِهم نارا وسيَصلونَ سَعيرا ” (13) ، وإن من المروءة الإحسان إلى الضعفاء كافة ، كاليتيم والمريض والأرملة والشيخ العاجز ، وهو ما تأخذ به الشرائع الدنيوية ، لكن ما يريده الله فوق كل ذلك حسن المعاملة الفردية من كل مسلم ، وهو ما لا تستطيع أن توفره القوانين لأنه أمر ينبع من الأيمان بالله وإبتغاء الثواب منه والخوف من عقابه.

أما الفرار يوم الزحف (في المعركة) هو جريمة بحق الأمة كلها لأن فرار الفرد الذي يكون جزءا من جسد الجيش المقاتل ، قد يتسبب في إدخال الوهن إلى قلوب أفراد آخرين ومن ثم قد يتسبب في خسارة المعركة وما يتبع ذلك من سفك المزيد من الدماء وإستباحة للحرمات وغير ذلك . إنّ عقوبة الإعدام التي تأخذ بها بعض القوانين لمن يفر من المعركة قد لا تجدي نفعا ، لأن الفار يمكن أن يختار بين موت محقق آني وموت مؤجل محتمل فيفر. أما إذا كان قد دخل المعركة مجاهدا في سبيل الله موقنا بأن وراء الفرار عذاب أليم يوم القيامة الذي لا بد أن يلاقيه فإنه سيختار الثبات . قال الله تعالى: ” ومن يولِّهِم يومَئذ دُبُرَهُ إلاّ متحَرّفا لِقِتال أو متَحيّزا إلى فِئَة فقد باء بِغَضَب من اللّهِ ومأواهُ جَهَنَّمُ وبِئسَ المَصيرُ ” (14). وقد رخص الله تعالى الإنسحاب المنظم إن زاد عدد الأعداء عن ضعف عدد المسلمين ولكن لا بد الآن لذلك من ضوابط أخرى بغير عدد الأفراد عند اختلاف المعدات وخاصة عند التباين الشاسع في تدميرها كما في الأسلحة الحديثة.

وقذف المحصنات من الجرائم الإجتماعية الكبيرة لأنها تشيع الفاحشة بين المسلمين ، وتنزع الحياء من المجتمع وتورث الضغائن والأحقاد وربما ارتكاب جريمة القتل . قال الله تعالى: ” إنّ الّذينَ يَرمونَ المُحصَنات الغافلاتِ المؤمناتِ لُعِنوا في الدنيا والآخِرة ولَهُم عَذاب عَظيم ” (15)

أما السحر فإن منه ما هو إستخفاف بحق العقول البشرية ومنه ادعاء باطل بوجود قوى خفية تؤثر في الكون دون إعارة إهتمام لقدرة الله تعالى . ومن السحر المنتشر الآن مايسمى بتحضير الأرواح. وهو بحقيقته ليس تحضيرا لأية روح متوفاة وإنما وسيلة للاتصال مع الجن الذي يسمونه الوسيط والذي لا يوصلهم إلاّ الى جن مثله. أما صدق بعض الأخبار التي تحتويها مثل هذه الجلسات فإن مردَّه إلى أن مع كل إنسان قرين من الجن كما قال تعالى: ” وقيَضنا لَهُم قُرَناء فَزيَّنوا لَهُم ما بينَ أيديهِم وما خَلفَهُم ” (16) ، وهذا القرين الذي كان يعيش مع إمرئ قد توفي ربما يعلم عن ذلك المتوفي شيئا صحيحا قد ينقله إلى بني آدم فيصدقونه فيكل ما يخبرهم به من حق وباطل . إن من بين الجن ملاحدة كما بين الإنس فمن صدَّقهم بما يخبرونه ظنا منه أنه يكلم الأموات فينكرون أي حساب أوعذاب ، فتتزعزع عقيدة المرء وقد توصله إلى الإلحاد. لذلك شددَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وعيد إتيان السحرة وتصديقهم فقال: ” مَن أتى عَرّافا أو كاهِنا فصَدَّقَهُ بِما يَقولُ فَقَد كَفَرَ بِما أُنزِلَ على مُحَمّد ” (17)

ـ 49 ـ إجتناب الزنا وشرب الخمر والسرقة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
” لا يَزني الزّاني حينَ يَزني وهُو مؤمِن ، ولا يَسرِقُ السارِقُ حينَ يَسرِقُ وهو مُؤمِن ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حينَ يَشرَبُها وهُو مؤمِن ، ولا يَنتَهِبُ نَهبَة ذات شَرَف يَرفَعُ النّاسُ إليهِ أبصارَهُم حين يَنتَهِبَها وهو مؤمِن ”
(رواه الشيخان والنسائي)

حرم الله الزنا وشدد في عقوبة الزناة ، وحرم حتى التقرّب من الزنا أيضا فقال: ” ولا تَقرَبوا الزنا إنّهُ كان فاحشَة وساء سَبيلا ” (18) ، وهكذا فكل ما يقرب من الزنا هو حرام كالقبلة والتبرج وإظهار الزينة المثيرة للشهوة والملامسة ونشر الصور والأفلام الخليعة وقول الشعر الماجن وغير ذلك من مثيرات الشهوات وما يقرب من إرتكاب الفاحشة . ويتبع الزنا في التحريم بل ربما زاد عليه فعل قوم لوط. ولفظ وهو مؤمن في الحديث تشير إلى عظم الذنب ، وأن فاعل هذه المحرمات يخرج بفعله هذا عن حضيرة المؤمنين ، فهو على أحسن تقدير من الذين قالوا أسلمنا بأفواههم ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم.

والسرقة إحتياز مال الغيرالمصون خلسة والنهب هو إحتيازه علانية . ففي حين يخشى السارق العقوبة ، فإن المنتهب لا يخشى العقوبة لذلك يجاهر بفعله ، وقد يكون هو واحدا ممن إستأمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وربما يعتبر ذلك من الرجولة فيفاخر الناس بفعلته القبيحة . فأموال المسلمين عليهم حرام إلاّ عن طيب نفس منهم . ورغم أن عقوبة السارق في الدنيا أليمة إن إكتشف أمره ، إلاّ أن العقوبة يوم القيامة أشد لمن لم يتب قبل فوات الأوان ، وليس لسارق أو منتهب توبة إلا إذا إستحله صاحبه.

أما الخمر فهي أم الكبائر وقد حرم الله شربها وعصرها وسقيها والجلوس على مائدتها وبيعها وشرائها سواء سميت بإسمها أو بغير إسمها كالبيرة أو النبيذ أو الويسكي ويتبع الخمر في حكمه كل المسكرات والمخدرات سواء في ذلك ما أسكر منه القليل أو الكثير أو ما خدّر. إن نعمة العقل من أكبر نعم الله تعالى ، لذلك فإن إذهاب العقل ولو لفترة قليلة إبتغاء لذة تافهة ، لايليق بالمسلم قإن الله قد كلفه بالإنتفاع بتلك النعمة الكبيرة لا الإستهانة بها.

ـ 50 ـ إجتناب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
” إن كذبا عليّ ليسَ كَكَذِب على غيري ، مَن كَذبَ عليّ مُتَعَمّدا فليَتَبوأ مَقعدَهُ من النّار ”
(رواه مسلم)

لقد مر بنا كذلك حديث آخر في المعنى نفسه تحت الرقم (14) ، فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمدا من الكبائر ، ولا يشفع لمن كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسن نيته إن إدعى أنه يكذب ليرغِبَ الناس في أمر حسن . والأكبر من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الكذب على الله تعالى . قال تعالى: ” فَمَن أظلَمُ ممن كَذَبَ على اللّهِ وكَذّبَ بالصِدقِ إذ جاءَهُ أليسَ في جَهَنَّمَ مَثوى للكافِرينَ ” (19). ومن الكذب على الله ورسوله إختلاق أحاديث أو وضعها أو نسبة شيء إلى الدين إبتغاء كسب دنيوي أو هوى نفس وهو يعلم أن ما يقوله كذبا وهو ما يقوم به بعض المتزيين بزي العلماء اليوم إبتغاء إرضاء أسيادهم لقاء متاع زائل . إن مثل هذا الحديث وغيره ، ورغبة من سلف هذه الأمة بحفظ الدين من أن تدخله الأحاديث الكاذبة التي يمكن أن تُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد أنشأ السلف الصالح علم رواية الحديث ، وهو علم جليل قيظّ الله له من حفظ لهذه الأمة دينها ، لا بحفظ القرآن فقط ، بل بحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا . وقد بيّن علماء الحديث درجة الثقة بالأحاديث وبينوا ما ليس بحديث منها . فالأحاديث الموضوعة ليست بأحاديث ولا يجوز روايتها منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الدقة في نقل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلوبة شرعا ، لأن أقواله دين ، وعلى المسلم أن يتأكد ويتحرى الدقة في الدين الذي يتعامل به مع ربه ، فلا ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ ما كان متأكدا من نسبته إليه ، والأفضل أن يعرف مصدره كذلك ، كما يتبع ذلك تفسير معناه على النحو الذي يليق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل ذلك من الأمانة التي أمر الله بها.

ـ 51 ـ إجتناب الظلم

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” قال اللّهُ تعالى: يا عِبادي.. إنِّي حَرَّمتُ الظُلمَ على نَفسي وجَعَلتُهُ مُحَرَّما بينَكُم فلا تظالَموا ، يا عبادي.. كُلُّكُم ضّال إلاّ مَن هَديتُهُ ، فاستَهدوني أهدِكُم ، يا عِبادي.. كُلُّكُم جائع إلاّ مَن أطعَمتُهُ ، فاستَطعِموني أطعِمكُم ، يا عِبادي ، كُلُّكُم عار إلاّ مَن كَسوتُهُ ، فاستَكسوني أكسِكُم ، يا عبادي.. إنّكُم تُخطِئونَ باللّيلِ والنّهار ، وأنا أغفِرُ الذُنوبَ جَميعا فاستَغفِروني أغفِر لَكُم ، يا عِبادي.. إنَّكُم لَن تَبلُغوا ضُرّي فتَضُروني ولن تَبلُغوا نَفعي فتَنفَعوني ، يا عِبادي.. لو أن أوَلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أتقى قَلبِ رَجُل مِنكُم ما زادَ ذلك مِن مُلكي شيئا ، يا عِبادي.. لو أنّ أوَّلكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أفجَرِ قَلبِ رَجُل مِنكُم ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شيئا ، يا عِبادي.. لو أن أوّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم قاموا في صَعيد واحِد فَسألوني فأعطيتُ كُلّ سائِل مَسألَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مما عِندي إلاّ كَما يَنقُصُ المِخيَط إذا أُدخلَ البَحرَ ، يا عِبادي.. إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لَكُم ثُم أوفيكُم إيّاها ، فَمَن وَجَدَ خيرا فليَحمَدِ اللّه ومَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلومَنّ إلاّ نَفسَهُ ”

(رواه مسلم والترمذي)

من أسماء الله تعالى الحسنى: العدل ، فكل ما يحكم الله به هو العدل ، ليس فيه ظلم قيد أنملة ، ولا يرضى من عباده بعضهم على بعض إلاّ بالعدل . فالظلم ظلمات يوم القيامة . إن دواعي ظلم البشر بعضهم لبعض كامنة في أنفسهم يثير نوازعها الشيطان . فالأثرة والأنانية وحب العلو والتسلط من الأسباب الرئيسة للظلم ولكن المؤمن الذي يُحب لأخيه ما يحب لنفسه(20 ، والذي لا يرضى الظلم لنفسه كيف يرضاه لغيره؟ المؤمن يضع نفسه مكان المظلوم فلا يعامله إلا بما يحب أن يعامَل هو به. فلا يمنع الناس حقوقهم التي فرض الله أداءها لهم ، وهو ينصر المظلوم ما إستطاع إلى ذلك سبيلا ولو بكلمة رجاء عند من ظلمه ، ولو بالدعاء إن لم يستطع غير ذلك . ولكن يجب أن يكون الدعاء بعد محاولة نصرته ثم عدم الإستطاعة . أما الغافل عن نصرة المظلوم وهو مستطيع ذلك فهو من جملة من ظلمه. وعلى ذلك فنصرة المظلوم فرض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الجميع وإن لم يقم بها أحد أثم من كان مستطيعا دفع الظلم ولم يساعد في دفعه. قال صلى الله عليه وآله وسلم : ” إتَّقوا دَعوةَ المَظلومِ وإن كانَ كافرا فإنَّهُ ليسَ دونَها حِجاب ” (21)ـ

وقال سعيد بن المسيب: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلاّ بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة . وجاء رجل إلى سفيان الثوري ، فقال: إني أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة؟ قال بل أنت من الظلمة أنفسهم ، ولكن أعوان الظلمة من يبيع الإبرة والخيوط.

والظلم متعدد الأشكال ، فظلم النفس بتعريضها لمقت الله تعالى وغضبه بعدم إطاعة أوامره ، وظلم الأهل والولد بعدم إعطائهم حقهم أو إطعامهم الحرام أو عدم العدل بينهم ، وظلم الأمير لرعيته بعدم إعطائهم حقوقهم أو إيثار نفسه وخاصته عليهم وعدم المساواة بينهم وعدم تطبيق شرع الله بينهم ، وظلم المرأة عدم إطاعة زوجها وعدم الإهتمام بتربية أولادها ، وظلم ألأجير من استأجره بعدم إتقان عمله ، وهكذا . وكل هذه الأبواب مما حرم الله تعالى من الظلم.

وقد مر أن من أكبر أنواع الظلم: ظلم الضعفاء الذين لا يستطيعون أخذ حقوقهم كالأرملة واليتيم . وأن من أكبر أنواع الظلم الأخرى شهادة الزور وقول الزور قال تعالى: ” والّذين لا يشهدونَ الزورَ وإذا مَرّوا باللّغو مَرّوا كِراما ” (22) ، واليمين الغموس التي تغمس صاحبها في جهنم حين يحلفها وهو يعلم أنه كاذب إبتغاء إقتطاع حق غيره سواء إستفاد من ذلك هو أو غيره من الظلمة.

ـ 52 ـ العدل بين الرعية

عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ما من والٍ يلي رعية من المسلمين ، فيموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة ”

(أخرجه البخاري)

قال الله تعالى: ” ولا تحسَبَنّ اللّهَ غافِلا عَمّا يَعمَلُ الظالِمون . إنَّما يؤخِّرُهُم لِيوم تشخَصُ فيه الأبصارُ ” (23). الظلم ظلمات يوم القيامة . وكلما عمّ الظلم ناسا أكثر كلما كان عقابه يوم القيامة أشد. فمن إستُرعِي على نفر فظلمهم ببخسهم حقوقهم أو بأخذ أموالهم بغير حق أو بتكليفهم ما لا يطيقونه أو بإستئثاره بحقوقهم لمصالحه فهو في النار ، فكيف بمن إسترعى أمانة أكثر من ذلك . وقد هدد الله الظالمين بقوله تعالى: ” وسيعلم الذينَ ظَلَموا أيّ مُنقَلَب يَنقَلِبونَ ” (24)

إن من الظلم ، الرضا بالظلم والإعانة عليه. و ” من أعان ظالما على ظلمه سلّطه الله عليه ” (25). وإن أحد أسباب تمادي الظلمة في ظلمهم هو بطانة السوء وإعانة بعض الرعية الظالم على ظلمه. قال تعالى عن قوم فرعون: ” فاستَخَفّ قومَهُ فأطاعوهُ إنهم كانوا قوما فاسقين ” (26) ، وأنذر الله تعالى بأن عقوبة من أعانه ستكون يوم القيامة أشد العذاب: ” ويومَ تَقومُ الساعَةُ أدخِلوا آلَ فِرعونَ أشَدَّ العَذابَ ” (27) لاحظ بأنه ذكر أشد العذاب على آل فرعون وليس على فرعون نفسه وهم الذين قال عنهم صلى الله عليه وآله وسلم: ” أشَدُّ النّاسِ عَذابا يومَ القيامَة مَن باعَ دينَهُ بدُنيا غيرِهِ ”ـ

فالظالم بعيد عن مغفرة الله تعالى له حتى وإن تاب ، إلاّ إذا استحله الذين ظلمهم . وغش الرعية وظلمها له أشكال عديدة ، منها الخفي كالإعلام الكاذب والتعليم الذي لا يخدم مصلحة الأمة ونشر وسائل اللهو المحرمة ، ومنها الغش الواضح كالظلم في الأموال والأنفس والحقوق. لذلك فإن المؤمن إن كان راعيا لا يظلم رعيته بل يبتغي مصالحهم ويسهر عليها ، وإن كان من الرعية فهو لا يساعد ظالما على ظلمه ويتبرأ من غشه ويبينه للناس ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فالأمانة موكلة بكل المسلمين حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” (28)

ـ 53 ـ التمايز بين الرجال والنساء

عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه وسلم:

” ثلاثة لا يَنظُرُ اللّهُ إليهِم يومَ القِيامَةِ: العاقّ لِوالِديه ، والمَرأةُ المُتَرَجِّلَةُ المُتَشَبِّهَةُ بالرِجالِ ، والديّوثُ. وَثلاثَة لا يَدخُلونَ الجَنَّةُ: العاقّ لِوالِديهِ ، والمُدمِنُ الخَمرِ ، والمنَّانُ بِما أعطى ” ـ

(رواه الطبراني والنسائي والحاكم)

خلق الله الرجل والمرأة من نفس واحدة: ” هُو الّذي خلقَكُم مِن نَفس واحدة وَجَعَلَ مِنها زوجَها لِيَسكُنَ إليها ” (29) ، وبذلك تساوى الرجل والمرأة في إنسانيتهما وما يترتب على ذلك من تكاليف ، لكنهما مختلفان في التركيب الجسدي بحيث كان أحدهما مكملا للآخر وليس بديلا عنه ، قال تعالى ” هُنّ لِباس لَكُم وأنتُم لِباس لَهُنّ ” (30). لذلك كان تشبُّه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء أمر مخالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها . وإن ترجُل المرأة أو تخنث الرجل هو تعبير عن السخط على مشيئة الله تعالى: ـ” ولا تَتَمَنّوا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بعضَكُم على بَعض ، للرِجال نَصيب مما اكتَسَبوا ولِلنَساءِ نَصيب مِما اكتَسَبنَ ــ (31). إن ترجل النساء يعني ذهاب الحياء وإبتذال المرأة وتعريض كرامتها للمهانة وتكليفها فوق ما تطيق. أما تخنث الرجال فيتبعه الميوعة واضمحلال الأخلاق. لذلك حرم الله تعالى التبرج للنساء وتقليدهن للرجال في اللباس والتصرفات ، وسنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سننا خاصة لهن في اللباس والخطاب والتعامل فيما بينهن أو مع الرجال ، مثلما سنّ سننا للرجال ، ” تِلكَ حُدودُ اللّهِ فَلا تَعتَدوها ومَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللّه فاؤلئِكَ هُمُ الظالِمون ” (32)

إن الحياء للمرأة هو أفضل ما يزينها . فإذا سقط حياؤها أصبح المجتمع أشبه بغابة تنتشر فيها الهوام . ولقد فرض الله الحجاب صيانة للمجتمع من الوصول إلى درك البهائم . لذلك فإستقامة المرأة تستوجب تمسكها بما فرض الله عليها من حجاب وعدم تبرج وغض للبصر وطاعة لزوجها أو الوليها وحفظ للأمانة الملقاة على عاتقها في بيتها وولدها ، وإن إضطرتها الحياة للعمل عرفت حدود الشرع مما أحل الله وحرم ولم تتعد ذلك أبدا . أما تصرف الرجل مع النساء ألاجنبيات فهو الآخر محدود بحدود الله مما فرض كغض البصر واجتناب الخلوة المحرمة والإبتعاد عن مواطن الشبهات وعدم الميوعة في خطابه للنساء وغيرها.

أما المنّان فهو الذي يؤذي الناس بتخجيلهم وجرح شعورهم بما أسدى إليهم من شيء يظنه فضلا . قال تعالى: ” ياأيُّها الّذينَ آمَنوا لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بالمَنّ والأذى ” (33) ، فالمنّ خلق ذميم لا يليق بالإنسان السوي فكيف وهو محبط للعمل وممحق لأجور الآخرة؟ ولو فكر المنّان بما يمنّ به لعلم أن النعمة التي يمنّ بها هي من عند الله والله قدير على أن يسلبها منه ويعطيها لمن يمنّ بها عليه. والمؤمن الصادق يشعر بأنه إذا أعطى صدقة لفقير محتاج فإنه أصبح لهذا الفقير منّة عليه لأنه كان مساعدا له في إكتسابه الثواب من عند الله تعالى . فإن كان الأمر كذلك فكيف يشعر بمنّة على غيره مهما أسدى لغيره من معروف أو بذل من مال.

ـ 54 ـ إجتناب لعب القمار

عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” مَن لَعِبَ بالنَردِ فقَد عَصى اللّهَ وَرَسولَهُ ”

( رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه)

لعب القمار محرم بالقرآن: ” ياأيُّها الّذينَ آمَنوا إنَّما الخَمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجس مِن عَمَلِ الشيطانِ فاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحون . إنَّما يُريدُ الشيطانَ أن يوقِعَ بينَكُم العَداوةَ والبَغضاءَ في الخَمرِ والميسِرِ ويَصُدَّكُم عَن ذكر اللّهِ وعَنِ الصَلاةِ فَهَل أنتُم مُنتَهونَ ” (34). والميسر بأنواعه من دور قمار ورهان سباق الخيل واليانصيب والرهان على أي نوع من الألعاب المسلية سواء ما ذكره الحديث من نرد أو غيره ، كل ذلك مشمول بالتحريم . ولقد بين الله بعض الأغراض الشيطانية من التسويل للناس في لعب القمار من إيقاع البغضاء بين الناس ومن الصد عن الصلاة ، إضافة إلى أكل أموال الناس بالباطل: ” ولا تأكُلوا أموالَكُم بينَكُم بالباطلِ ” (35)

أما اللعب الذي لا يعتمد على الرهان ولا النرد ويمكن أن ينمي القابليات البدنية والذهنية كالمبارزة أو بعض الألعاب التلفزيونية التي شاعت مؤخرا والشطرنج ، فهي مباحة شرط عدم تسببها في تأخير فريضة أو قيام بواجب . بل ويمكن أن يكون بعضها مندوبا إذا كان مفيدا لتنمية القابليات البدنية والذهنية.

وسبق أن أوضحنا في شرح الأحاديث 1 ، 25 و 45 أن الترويح عن النفس ينقلب إلى عبادة عند حضور النية . ونضيف هنا شرطا آخر وهو أن تكون الوسيلة للترويح مباحة كشرط لكي ينقلب الترويح عن النفس إلى عبادة . فالله سبحانه وتعالى لم يأمر باتباع الصراط المستقيم دون أن يوضح السبل المشروعة المؤدية إلى ذلك وحث على الأخذ بها ، وحذر من الوسائل غير المشروعة حتى وإن كان فيها فوائد قليلة أحيانا . فالوسيلة المحرمة هنا هي الربح دون بذل جهد بدني أو فكري أو بإستغلال المصادر الطبيعية التي سخرها الله سبحانه وتعالى لبني آدم ، بل استخدام لظواهر ليس للإنسان فيها فضل كالحظ أو إستغلال سذاجة بعض الناس وغشهم بوسائل ما أنزل الله بها من سلطان.

ـ 55 ـ الورع عند كسب الرزق

عن كعب بن عجرة(36) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” كُلّ لَحم نَبَتَ مِنَ الحَرامِ فالنّار أولى بِهِ ”

(رواه الترمذي وحسّنه)

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إتق الله بطاعته ، وأطع الله بتقواه ، ولتخفَّ يداك من دماء المسلمين وبطنك من أموالهم ولسانك من أعراضهم . فرض الله إكتساب الرزق من الحلال وحرم إكتسابه من الطرق غير المشروعة من غش وسرقة ورشوة ونقص في المكيال وغصب أموال الناس. فمن اكتسب المال من الحرام فقد البركة ، فلا ترى أثرا صالحا لماله ، وإن أنفق ماله في غذاء نفسه فهي ستلقى عقابها في الآخرة ، وإن غذى به عياله فقد غشهم وما نصح لهم فلا عجب إن عقَّه ولده وفسدت أخلاق من يعيلهم نحوه ونال عقاب ما فعل في حياته ولعذاب الآخرة أشد.

قالت عائشة رضي الله عنها إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة ، هو الورع. وكان عبد الله بن المبارك يقول: رد درهم شبهة أحب إلي من أن أتصدق بستمائة ألف درهم.

قال سهل التستري: من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى . فالمعدة موضع يجمع الأطعمة ، فإذا طرحت فيه الحلال صدرت ألأعضاء بالأعمال الصالحة وإذا طرحت فيه الشبهة إشتبه عليك الطريق إلى الله وإذا طرحت فيه التبعات كان بينك وبين الله حجاب.

إن لأكل الحلال علاقة وثيقة بإستجابة الدعاء. فقد روى مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” ألرَجُلُ يطيلُ السَفَرَ أشعَثَ أغبَر يَمُدّ يدهُ إلى السماء يا رَبّ يارَبّ ومطعمهُ حَرام ومَلبَسُهُ حرام فأنّى يُستجابُ لَهُ ”

وليس لمنفق المال الحرام في طرق الخير من ثواب . فإن الله لا يمحو السيئ بالسسيئ ولكنه يمحو السيئ بالحسن ، يقول سفيان الثوري رضي الله عنه: من أنفق من الحرام في طاعة الله تعالى كان كمن طهّر الثوب النجس بالبول والثوب النجس لا يطهره إلا الماء.

ـ 56 ـ إجتناب الكذب والخيانة

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” يُطبَعُ المُؤمِنُ على كُلّ خُلُق ليس الخيانةُ والكذبُ ”

(رواه البيهقي وأحمد)

الكذب إذا جبل عليه المرء قاده لا محالة إلى النار. فالكذب يقود إلى النفاق وهو أساس كل الأعمال الخبيثة . فمرتكب الخطايا الكبيرة إن لم يكن كذابا فإنه يخشى إن صدق القول مع الناس أن يفتضح أمره فيكون كذبه حافزا له على الإستمرار في إرتكاب الذنوب . وإخلاف الوعد ما هو إلاّ كذب فعلي وقولي معا . والغش والخيانة كذب بالأفعال وقول الزور وشهادة الزور ماهي إلاّ كذب في أبشع صوره وهكذا كان الكذب لمن إعتاد عليه أساسا للخبائث بل هو أكبر من أم الخبائث -الخمر-.

أما الأمانة فقد قال الله تعالى فيها: ” إنّ اللّه يأمُرُكُم أن تُؤدوا الأماناتِ إلى أهلِها ” (39) ، فخيانة الأمانة لا يُجبَلُ عليها مؤمن ولن يوفق الله خائنا في مسعاه: ” وأنّ اللّهَ لا يَهدي كيدَ الخائنينَ ” (40). وأكبر الخيانة هي خيانة الله ورسوله التي هي النفاق الخالص. والرياء بالأعمال من الخيانة ، وعدم حفظ ما إؤتُمن عليه المرء من مال أو عمل يتكسب به أو يوثق منه عليه ، كل ذلك من الخيانة . بل إن من أعظم الخيانة أن تحدث جليسك بحديث تكذب عليه فيه وهو مصدِّق لك . والدعاية الكاذبة لسلعة أو رأي هو خيانة . ولا تجوز الخيانة حتى مع من خانك . ” أدّ الأمانةَ إلى مَن إئتَمَنَكَ ولا تَخُن مَن خانَكَ ” (41)ـ. فالمؤمن قد امتزج الصدق وحفظ الأمانة بدمه ولحمه وأخذ عليه لبّه ، فلا يعرف الكذب والخيانة.

ومن أنواع الخيانة القبيحة: التجسس. فالتجسس هو خيانة لمن أمن جانب المرء بينما هو يتلصص على الخفايا سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره. قال تعالى: ” ولا تَجَسَسوا ولا يَغتَب بَعضُكُم بَعضا ” (42) ، والتجسس على المسلمين من أقبح الأخلاق وأرذلها ولا يقوم بها إلا من باع دينه إبتغاء متاع قليل من متاع الدنيا.

ـ 57 ـ إجتناب اللعن والفحش

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء ”

(رواه البخاري في الأدب وأحمد وإبن حبان والحاكم)

إن اللعن والسب والشتم والفحش في الكلام والطعن في الأنساب ، كل ذلك ليس من شيم المتقين . وسباب المسلم فسوق يعني أن السابّ نفسه فاسق لأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر(43). أما لعن من فعل فعلا معينا دون تخصيص لأحد فهو جائز ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، ولعن من لعن والديه ، ومن عمِل عمَل قوم لوط ، والراشي والمرتشي ، والمحتكر ، والخمر وشاربها وساقيها وآكل ثمنها وبائعها ومستقيها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، ولعن المرأة إذا خرجت من دارها بغير إذن زوجها ، ولعن النامصة والمتنمصة ، ولعن المرأة إذا باتت وزوجها عليها ساخط ، ولعن من خبب إمرأة على زوجها ، وقد لعن الله تعالى في القرآن الظالمين والكاذبين: ” ألا لَعنةُ اللّهِ على الظالِمين ” (44) ، ” ثُمّ نَبتَهِل فَنَجعَلْ لَعنةَ اللّهِ على الكاذِبينَ ” (45)

إن من أشنع أنواع السباب رمي المسلم بالكفر. ومثل هذا شائع بين مدّعِي العلم وهم أبعد ما يكون عن العلم حيث يتهمون من يخالفهم في الرأي به. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تكفير المسلمين ، لأن من قال لأخيه يا كافر ، باء بها أحدهما(46) ، أي إما أن يكون صادقا أو أن تعود كلمة الكفر عليه هو والعياذ بالله.

والمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب . ومن الضروري تنشئة الأطفال بعيدا عن إستخدام تلك الألفاظ لأن محوها بعد ما يكبر الشخص إن تعوّد عليها وهو طفل صغير صعب ، وحتى إن تركها فربما تفوه بها دون شعور في حالات الغضب.

ـ 58 ـ إجتناب الإحتكار

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” مَن احتَكَرَ حَكرَة يريدُ أن يُغلي بِها على المُسلمينَ فهُو خاطئ وقد بَرِئت مِنهُ ذِمَّةُ اللّهِ ورَسولِهِ ”

(رواه أحمد والحاكم)

الإحتكار بغية رفع الأسعار على المسلمين حرام . ولفظة خاطئ في الحديث لا تعني صغر ذنب المحتكر لأن تتمة الحديث تفسر معنى الخطأ حيث أن براءة ذمة الله ورسوله لا تكون إلاّ على أمر من الكبائر. فالإحتكار خلق ذميم يجعل المحتكر يفرح بشقاء غيره متجردا من الإنسانية . إن المال في يد المؤمن عارية (أمانة) قد إستودعه الله تعالى إياها يستفيد منها ويفيد غيره إلى أجل مسمى . أما المال في يد المحتكر فهو كنياب السباع في الغابة يؤذي به عباد الله واضعا أنانيته فوق كل إعتبار لكي يحصل على المزيد من المال ، ولا يكاد يشبع إلاّ من التراب ويتوب الله على من تاب.

ويزداد ذنب المحتكر كلما كانت الحاجة إلى السلعة التي يحتكرها أشد من قبل الناس. فمحتكر الطعام الضروري أكبر إثما . والغني الذي يجمع المزيد من الأموال بجشع وشراهة في أوقات كروب الناس من غلاء أو حروب أو فقدان للأمن يرتكب إثما كبيرا . والإنفاق في مثل تلك الأوقات من أعظم القربات عند الله. قال تعالى: ” فلا إقتَحَمَ العَقَبَةَ ، وما أدراكَ ما العَقَبَة ، فَكّ رَقَبَة أو إطعام في يوم ذي مَسغَبَة ” (46). فالمؤمن يرضى بالقليل من الربح وهو سهل عند البيع والشراء ، فإذا مانزلت بالمسلمين مصيبة من غلاء أو قحط ، جعل نفسه واحدا ممن يعاني ، فيحزن لمصائبهم دون احتكار أو استغلال لتلك المصائب.

ـ 59 ـ إجتناب الترف

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: نهانا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن أن نَشرَبَ في آنيةِ الذَهَبِ والفِضَّةِ وأن نأكُلَ فيها ، وعَن لِبس الحَرير والديباج وأن نَجلِسَ عَليها. (أخرجه البخاري)

التمايز الذي فرضه الله بين الرجال والنساء لِحِكَم بالغة ، منها تعزيز رجولة الرجل وأنوثة المرأة . وقد مر تحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال . ولإحداث المزيد من التمايز في المظهر ، حرم الله تعالى على الرجال هذه الأصناف من اللباس. أما الطعام والشراب في أنية الفضة والذهب فهو دليل على الترف والبذخ والبطر الذي إن حل في أمة أذهب عنها النعم وأزالها عنها فإن الترف يزيل النعم.

لقد أحل الله الزينة لعباده : ” قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللّهِ التي أخرَجَ لِعِبادِهِ والطيباتِ مِنَ الرِزق ” (47) ، لكن ذلك مقيد بحدود أن لا يكون في ذلك إسراف وتبذير ولا إزدراء لنعم الله ولا عجب ولا تكبر. ولقد أحل الله للنساء أصنافا من الزينة أمام أزواجهن ومحارمهن من الرجال ، وحرم على الرجال أصنافا من الزينة كالذهب والحرير. وما ذلك إلاّ لما وضع لكل من الصفات وأوكل إليهم صنفا من الواجبات.

ـ 60 ـ حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” لا تَسُبّوا أصحابي ، فلو أن أحدَكُم أنفَقَ مِثلَ أُحُد ذَهَبا ما بَلَغَ مَدّ أحَدِهِم ولا نُصيفَهُ ” (رواه البخاري)ـ

لقد إختار الله تعالى بني آدم من بين سائر المخلوقات ، واختار إسماعيل عليه السلام ليكون جدا لخير خلقه ، واختار أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لكي تكون خير أمة أخرِجَت للناس ، واختار لرسوله صحبا وأتباعا وآل بيت لكي يكونوا أهلا للمساعدة في حمل تلك المهمة الصعبة . ألا يجب بعد ذلك على خَلَف الأمة أن يشكروا لأولئك الأسلاف حفظهم للشريعة وإبلاغهم إياها لمن جاء بعدهم ، والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفداؤه بأرواحهم وأموالهم . إن سب أولئك النفر الأبرار ألذين أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما هو إلاّ إنتقاص من الدين نفسه. وبتحريض من أعداء الله يشوهون صورة أولئك الأصحاب الأبرار بهدف هدم الدين محاولين إيهام السذج من الناس أنه إذا كان دين الله لم يؤثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أقرب الناس إليه فتأثيره فيما سواهم أقل وصلاحه للناس يعود مشكوكا فيه. وإحترام سلف هذه الأمة من صحابة كرام وآل بيت النبوة الأطهار والتابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين وأئمة الحديث والعلماء الذين نذروا حياتهم لخدمة هذا الدين على مر العصور ، هذا الإحترام دليل على صلاح المرء نفسه. إن هذا الإحترام لأولئك النفر الأبرار لا يرفع أيّا منهم إلى درجة النبوة أو العصمة ، فكلهم كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ، وهو أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل رجل يؤخذ منه ويرد عليه إلاّ صاحب هذا القبر. فمن أصاب منهم فله أجران ومن أخطأ فله أجر. والدعاء لهم مثبت في نص القرآن: ” والّذينَ جأؤا مِن بَعدِهِم يَقولونَ ربَّنا اغفِر لَنا وَلإخوانِنا الّذينَ سَبَقونا بالإيمانِ ولا تَجعَل في قُلوبِنا غِلاّ لِلّذينَ آمَنوا رَبَّنا إنَّكَ رؤوف رَحيم ” (48)

خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخلفاء الراشدون الذين أمر هو بإتباع سنتهم: ” عليكُم بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاء الراشِدينَ المَهديينَ مِن بَعدي ، عَضّوا عَليها بالنواجِذِ ، وإيّاكُم ومُحدَثاتِ الأمور.. ” (49) ، وهم ضمن العشرة الذين بشرّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة . ومن الصحابة العلماء من نقلوا لنا الحديث وعلوم الدين الأخرى ، ومنهم من نشروا الدين ففتحوا العراق والشام ومصر وغيرها وبذلك كان لهم ثوابا إلى يوم القيامة ما سجد لله في هذه البلاد ساجد لأنهم تسببوا في ذلك . لذلك فإن سبَّهُم من الكبائر ويخشى أن يقود صاحبه إلى النفاق.

إن واجب المسلم أن يحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نتيجة حبه له. وعليه أن يحب آل بيته(50) الطيبين الطاهرين وذريته إكراما له ووفاء لبعض حقه فقد أوصى الأمة بهم . وعلى المؤمن أن لا يؤذي رسول الله في صحابته وآل بيته بذكر مساوئ تنسب إليهم ، وعليه أن يمسك عن ذكر ما اختلفوا فيه: ” تِلكَ أمّة قَد خَلَت لَها ما كَسَبَت ولَكُم ما كَسَبتُم ولا تُسألونَ عَمّا كانوا يَعمَلونَ ” (51). كما أن معاداة أولياء الله من الصحابة وآل البيت وغيرهم ممن جاء بعدهم إلى يوم القيامة عداء لصفوة الأمة ، ومحاربة للدين في شخص خيرة من يدين به. والله تعالى قد تعهد بنصرتهم: ” إن الله يدافع عن الّذين آمنوا إنّ اللّهَ لايُحِبّ كُلّ خوان كَفور ” (52) ، فالله سبحانه وتعالى يحب المؤمنين المتقين ويدافع عنهم ، فمن عادى لله وليا فقد وقف في صف أعداء الله فيؤذنه الله تعالى بالحرب ، سواء كان ذا نفوذ وسلطان أو رجلا من عامة الناس ، لذلك على المؤمن أن يحب الصالحين ويغض الطرف عن هفواتهم ولا يقع في غيبتهم وبغضهم ، لئلا يكون في صف أعداء الله تعالى . ولا يتصور أن الأولياء معصومون عن الأخطاء ، فهم يخطئون ، لكنهم إن تذكروا أو ذُكِّروا فاءوا واستغفروا . ومن أولياء الله الذين خلوا إلى ما قدموا بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته: الأئمة المجتهدون والعلماء الأعلام ، ويجب عدم الركون إلى الخلاف بينهم أو نقد بعضهم لبعض ، فإن كان بينهم مخطئ ومصيب ، فإن ذلك لن يقلب سيئ أعمالنا حسنا ولا يغني عنا شيئا.

 

ـ 61 ـ إلتزام الحجاب للمرأة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

” صِنفانِ مِن أهلِ النَّار لَم أرَهُما: قوم مَعَهُم سِياط كأذنابِ البَقَرِ يَضرِبونَ بِها النّاسَ ، ونِساء كاسيات عاريات مائلات مُميلات رؤسُهُنّ كأسنِمَةِ البُختِ لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ ولا يُرِحنَ ريحَها ، وإنّ ريحَها ليوجَدُ مِن مَسيرَةِ كَذا وكَذا ”

(رواه مسلم)

كرّم الله تعالى المرأة ومن تكريمه لها فرض الحجاب صيانة لها من عيون السوء. فإنتهاك محارم الله من ترك للحجاب وتهتك وتبذل هو من الكبائر ، وهذا التطاول على حرمات الله تعالى ليس أمرا شخصيا بحيث يكون للمرأة الحق في قبوله أو رفضه ، بل هو حق المجتمع لأن النساء الكاسيات لجزء من أبدانهن عاريات للجزء الآخر والمتمايلات في مشيتهن ، لابد وأن يكن فاتنات لبعض من يراهن ، فالحجاب وقاية للمرأة من أن تستهان ووقاية للمجتمع من أن يقترب من الفحشاء ، لذلك كانت عقوبة المتبرجات يوم القيامة كبيرة كما بيّنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعملهن هذا محبط لغيره من الأعمال وبهذا يجدن أنفسهن يوم القيامة مفلسات من كل حسنة ، فلا يدخلن الجنة وهن أبعد الناس عنها.

والحجاب للمرأة كلٌ متكامل . فلم يفرض الله تعالى على المرأة أن تغطّي بدنها ثم تنتهك حرمات الله بإظهار الزينة كالروائح العطرية أو التبذل في الكلام أو الغناء. ولم يحرم عليها الإختلاط في الأسواق ليحلّ لها الإختلاط في البيوت مع من لا يحل مخالطتهم من الأقرباء أو المعارف. فالمؤمنة تطبق ما افترض الله عليها بنفس راضية مطمئنة ، وهي ترجو ثواب ذلك من الله والله عنده حسن الثواب.

أما الصنف الثاني الذين ذكرهم الحديث فهم الظَلمة الذين يعتدون على الناس بغير حق من أهل القوة والسلطة وأعوانهم وزبانيتهم . فالظلم ظلمات يوم القيامة والله بريء من الظالمين.

ـ 62 ـ عدم المجاهرة بالمعصية

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

” كُلّ أمّتي مُعافًى إلاّ المُجاهِرونَ ، وإنّ مِنَ الإجهار أن يعمَلَ العَبدُ بالليلِ عَملا ثم يُصبِحُ قد سَتَرهُ ربُّهُ فيقولُ يا فُلانُ قد عمِلتُ البارِحةَ كذا وكذا وقد باتَ يستُرُهُ ربُّهُ فيبيتُ يستُرُهُ ربُّهُ ويُصبِحُ يَكشِفُ سِترَ اللّهِ عنه ”

(رواه مسلم)

إنّ الله تعالى لا يحب أن تشيع الفاحشة بين المسلمين . ” إنّ الّذينَ يُحِبّونَ أن تَشيعَ الفاحِشَة في الّذينَ آمَنوا لَهُم عَذاب أليم في الدُنيا والآخِرَةِ ” (53) ، وظهور المعاصي علانية يشيعها بين الناس ويعوّد الناس على عدم إنكارها ويقلل حياء مرتكبها فلا يستحي أن يرتكب غيرها . لذلك كان إظهار المعصية هو معصية مستقلة إضافية . فعلى من ابتُلِيّ بمعصية وسترها الله عليه أن لا يفضح نفسه بل عليه أن يتوب منها لعل الله تعالى يغفرها له ، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” ما سَتَرَ اللّهُ على عَبد ذنبا في الدُنيا إلاّ سَتَرَهُ عليه في الآخِرَةِ ” (54) ، وعلى المبتلى بالمعصية أن يدعو الله تعالى أن يعينه لكي يتخلص منها . إن الله تعالى لا يحب أن تشيع الفاحشة أو مخالفة الشرع بين المؤمنين ، فمن أفطر في رمضان فقد عصى الله تعالى ، أما من جاهر بإفطاره فقد جاهر بمحاربة الله تعالى . وعلى المؤمن أن يجتنب مواضع التهم ، فالمسافر أو المريض المرخص له بالإفطار لا يحق له إعلان إفطاره وعليه أن يستتر في طعامه وشرابه.

هناك من يظن أن إخفاء الفاحشة هو من النفاق ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. لذلك تجده يتحدث عنما ارتكبه من فواحش وآثام ظانّا أن ذلك يعفيه من صفة النفاق. والحق أن المفاخرة بارتكاب الموبقات هو مجاهرة بمحاربة الله وإشاعة للفواحش بين المؤمنين ، وهو مرتكب بذلك إثما إضافيا فوق إثمه ، وقد فقد الحياء بالتحدث عن الآثام مفاخرة . إن سكوت المبتلى بالفاحشة وهو كاره لها ليس معناه النفاق ، بل المنافق الذي يفعل الفاحشة وهو راض عنها ثم يتظاهر بالصلاح تكلفا ورياء.

ـ 63 ـ عدم إستصغار المحقرات من الذنوب وإجتنابها

عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال

ـ” إيّاكُم وَمُحقَرات الذُنوبِ ، فإنَّما مَثَلُ مُحقَرات الذُنوبِ كَمَثَلِ قوم نَزَلوا بَطنَ واد فَجاءَ ذلكَ بِعود وجاءَ ذا بِعود ، حَتّى حَمَلوا ما أنضَجوا بِهِ خُبزَهُم ، وإنّ مُحقَرات الذُنوبِ مَتى يؤخَذُ بِها صاحِبُها تُهلِكُهُ ” ـ

(رواه مسلم وأحمد وأبو داود)

إن محقرات الذنوب هي الصغائر التي يستهين بها المرء ، فإن أكثَرَ منها واستهان بها أوردته النار ، لذلك قيل: لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. وعلى المرء أن لا ينظر إلى صغر ذنبه ولكن عليه أن ينظر إلى من يعصي؟ فالمعصية الصغيرة هي معصية لله عز وجل وهي تشترك في هذه الصفة مع الكبائر. وما على المرء إلاّ أن يتبع الذنوب بالإستغفار وبصالح الأعمال.

إن من محقرات الذنوب العادات الذميمة التي يعتادها المرء ولا يكلف نفسه بالإقلاع عنها . فالعادة تتكرر على الدوام ، فتتكرر المعصية مرات كثيرة وبذلك تزداد العقوبة عليها . وعلى المرء الذي ابتلي بعادة سيئة أو إعتاد مخالفة معينة لكتاب الله وسنة رسوله أن يجهد نفسه بالإقلاع عنها قدر الإمكان ، حتى ولو كان ذلك بعض الأحيان . إن مجاهدة النفس لكي تقلع عن عادة سيئة هي من صالح الأعمال ، وقد يثيب الله تعالى المرء بمساعدته على الإقلاع عن تلك المعصية نهائيا أو أن يغفرها له. أما عدم الإكتراث بالسيئات الصغيرة والإكثار منها فهو ما يحذر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هنا وهي التي قد تهلك مرتكبها.

للأعلى

ـ1ـ إبن القيم الجوزية: هو شمس الدين محمد بن بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الفقيه الحنبلي ، ولد سنة 691هـ ، لازم شيخه تقي الدين بن تيمية رحمه الله. كان عالما فقيها ومفسرا صلبا في الدفاع عن آرائه ، له تآليف قيمة كثيرة منها: زاد المعاد ، والكلم الطيب ، والفوائد ، وزاد المسافرين ، وأعلام الموقعين ، وبدائع الفرائد ، وحادي ألارواح ، وعدة الصابرين ، والروح ، وتهذيب سنن أبي داود... وغيرها كثير. توفي رحمه الله سنة 751هـ.

ـ2ـ سورة الأعراف الآية 201.

ـ3ـ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ4ـ أبو بكرة هو نفيع بن الحرث كان من فضلاء الصحابة . تدلى إلى النبي صلى الله عليe وسلم عند حصاره الطائف بواسطة بَكَرة فاشتهر بأبي بَكَرَة . روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه أولاده. سكن البصرة.

ـ5ـ سورة النساء الآية 48.

ـ6ـ سورة الإسراء الآيتان 23 و 24.

ـ7ـ سورة لقمان الآية 15.

ـ8ـ سورة النساء الآية 93.

ـ9ـ رواه إبن ماجه والحاكم عن إبن عمر رضي الله عنهما.

ـ10ـ سورة البقرة الآيات 275-281

ـ11ـ رواه أحمد والترمذي وأبو داود وإبن ماجه عن إبن مسعود رضي الله عنه.

ـ12ـ رواه إبن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ13ـ سورة النساء الآية 10.

ـ14ـ سورة الأنفال الآية 16.

ـ15ـ سورة النور الآية 23.

ـ16ـ سورة فصلت الآية 25.

ـ17ـ رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ18ـ سورة الإسراء الآية 32.

ـ19ـ سورة الزمر الآية 32.

ـ20ـ حديث: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” متفق عليه.

ـ21ـ رواه الخمسة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ـ22ـ سورة الفرقان الآية 72.

ـ23ـ سورة إبراهيم الآية 42.

ـ24ـ سورة الشعراء الآية 227.

ـ25ـ رواه ابن عساكر عن ابن مسعود.

ـ26ـ سورة الزخرف الآية 54.

ـ27ـ سورة غافر الآية 46.

ـ28ـ رواه أبو داود والترمذي وأحمد والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ـ29ـ سورة الأعراف الآية 189.

ـ30ـ سورة البقرة الآية 187.

ـ31ـ سورة النساء الآية 32.

ـ32ـ سورة البقرة الآية 229.

ـ33ـ سورة البقرة الآية 264.

ـ34ـ سورة المائدة الآية 91.

ـ35ـ سورة البقرة الآية 188.

ـ36ـ كعب بن عجرة بن أمية البلوي ، أنصاري أو حليف للأنصار. شهد عمرة الحديبية ، ونزلت فيه آيات الفدية ، حيث كان مريضا في رأسه ، فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ” إحلق رأسك وأطعم فرقا بين المساكين ” . سكن الكوفة ومات بالمدينة سنة 51هـ وكان له من العمر 75 سنة رضي الله عنه.

ـ37ـ رواه مسلم والترمذي وأبو داود وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ38ـ سورة النساء الآية 58.

ـ39ـ سورة يوسف الآية 52.

ـ40ـ رواه البخاري في التأريخ وأبو داود والترمذي والحاكم.

ـ41ـ سورة الحجرات الآية 12.

ـ42ـ أخرجه البخاري.

ـ43ـ سورة هود الآية 18.

ـ44ـ سورة آل عمران الآية 61.

ـ45ـ حديث: ” إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ” رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ـ46ـ سورة البلد الآيات 11-14.

ـ47ـ سورة الأعراف الآية 32.

ـ48ـ سورة الحشر الآية 10.

ـ49ـ رواه الترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.

ـ50ـ حديث: ” أذَكِّركُم اللّه في أهل بيتي ” رواه مسلم عن يزيد بن حيان.

ـ51ـ سورة البقرة الآية 134 مكررة في 141.

ـ52ـ سورة الحج الآية 38.

ـ53ـ سورة النور الآية 19.

ـ54ـ رواه مسلم.

للأعلى

arabic1.jpg (2433 bytes)